بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 مارس 2019

عندما يخرج العبقري عن حدود الاستنتاج!


         أثار الأستاذ جيمس واطسون ( James Watson ) – احد مكتشفي تركيب الحمض النووي - والحائز على جائزة نوبل في الطب لسنة 1962 الكثير من الجدل في وسائل الإعلام الغربية ، بعد أن نشرت صحيفة الصنداي تايمز ( Sunday times) في 14 أكتوبر 2007 ، حوارا معه بخصوص آخر كتبه. وقد أفصح واطسون في الحوار المذكور عن اعتقاده "بان السود اقل ذكاء من بيض البشرة". كما ذكرت الصحيفة قوله:" إن هذا الأمر يوضح أساس المستقبل المظلم لإفريقيا " لان " كل سياساتنا الاجتماعية تقوم على أساس أن ذكائهم مماثل لذكائنا، بينما تفيد الدراسات بعكس ذلك".

وقد قصد واطسون الدراسات المتوفرة بخصوص ما يدعى بمختصر حاصل الذكاء ( IQ )، التي تحصل السود فيها على درجات تقل عن تلك التي حازها بيض البشرة. كما ذكر واطسون بأنه كان يأمل أن لا يكون الحال كذلك ، غير أن :" ... من يتعاملون مع الموظفين من سود البشرة يكتشفون أنهم ليسوا بنفس ذكاء البيض ". وفي الواقع فليست هذه هي المرة الأولى التي يدلي بها واطسون بتصريح عنصري يثير الغضب ، فقد صرح في مرة سابقة بأنه " ... من الرائع أن يصبح في الإمكان إعادة هندسة النساء وراثيا ليصبحن أكثر ذكاء ".

الخروج عن حدود الاستنتاج

         ومن أمثلة الدراسات التي المح إليها واطسون ، دراسة كل من فيليب روشتون ( Philippe Rushton ) و ارثور جنسن ( Arthur Jensen ) التي نشرت العام الماضي في مجلة " علم النفس، السياسة العامة والقانون " والذي قام فيها الباحثان بترتيب السلالات العرقية بحسب متوسط نتائجها في اختبار مختصر حاصل الذكاء ( IQ )، حيث تحصل الأمريكيين من أصل أفريقي على متوسط قدره 85 نقطة ، بينما تحصل الأمريكيون البيض علي 100 نقطة.

وفي التعليق على نتائج الدراسة قال الباحثان : " إذا كان للسلالة العرقية أن تحدث فرقا في نسبة الإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم ، أو سرطان البروستاتا ، فلماذا لا تحدث فرقا في نتائج اختبارات الذكاء؟ ". و بهذه الدراسة اظهر الباحثان رغبتهما الصيد في الماء العكر، و ذلك بالتخفي خلف استنتاجات دراسة علمية للوصول إلى استنتاجات ذات أبعاد اجتماعية. فمن المعروف ايمان الناس في الغرب بان " الأقل ذكاء اقل قيمة " ، ولهذا فالتقسيم العرقي الذي مارسته الدراسة يقود إلى تقسيم آخر لا يمت إليه بصلة، له تأثيرات اجتماعية و سياسية خطرة بعيدة المدى. 

الفرق بين الوراثة والذكاء

           وقد علق دكتور جان شنوب (Jan Schnupp ) من جامعة اوكسفورد ، على كلام واطسون بقوله " إن ما صرح به واطسون يوضح بشكل لامراء فيه بأنه خبير في الجينات وليس في مجال الذكاء. فقياسات مختصر حاصل الذكاء ( IQ ) ليست أداة لقياس الذكاء الموروث فحسب، بل تشتمل نتيجتها على تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل سوء التغذية في فترة الطفولة و قلة الحظ في الحصول على التعليم . هذا كما يؤثر في نتيجتها إحساس المفحوص بأنها نوع من الاعتداء على خصوصيته ، ومدى خبرته السابقة مع هذه الاختبارات . والسود في الغرب ، هم اقل حظا من البيض في وضعهم الاجتماعي والاقتصادي ، وهو ما يفسر الفرق في النتائج بين السود والبيض ". ويتفق ما قاله دكتور شنوب مع رأي الاستاذ روبرت شتيرنبيرغ ( Robert Sternberg ) من جامعة يال الذي انتقد دراسة " روشتون و جنسن " المذكورة لاعتبارها نتائج اختبارات مختصر حاصل الذكاء ( IQ ) قياسا صرفا للذكاء. أما زميله ريتشارد نيسبيت (Richard Nisbett) من جامعة ميتشيغن فقد انتقد نفس الدراسة لان ما تعتبره فرقا في نتيجة مختصر حاصل الذكاء ( IQ ) بين البيض والسود هو أمر عفى عليه الزمن . وقد قل الفرق بين السلالتين خلال العقود الأخيرة بشكل مضطرد مما يعني بوضوح انه كان نتيجة لعوامل اجتماعية واقتصادية وليس لاختلافات جينية. وفي نهاية تعليقه على ما ذكره واطسون ، قال دكتور شنوب: " ... قد يكن واطسون عبقريا ، غير انه في هذا الأمر ظل ظلالا بعيدا ".

نهاية غير متوقعة

        في النهاية ، أدت تداعيات تصريحات واطسون العنصرية إلى سلسلة متسارعة من المقالات والتصريحات التي تهاجمه بشدة. ولم يشفع له الاعتذار الذي ألقاه بعد ذلك في الكلية الملكية في لندن وقال فيه : " أقدم اعتذاري الكامل ، لكل من استنتجوا من كلامي أن أفريقيا ، كقارة ، هي بشكل ما اقل قيمة من الناحية الوراثية" . وأدى تتابع الأحداث إلى الغاء بعض المقابلات الهامة معه ، والى قراره بقطع رحلته التسويقية لآخر كتبه في أوربا ، و العودة مبكرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ليجد نفسه مرغما على التقاعد ، في 26 أكتوبر من نفس العام. وهكذا أنهى واطسون صفحة حياته العملية الحافلة، بلطخة سوداء كبيرة يصعب على الكثيرين التغاضي عنها.

___________________________________________________
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر

فرنسيس كريك ... وداعاً ....

" لقد اكتشفنا سر الحياة" 
" فرنسيس كريك في 28 .2 . 1953 "

        في يوليو من سنة ( 2004 م )، جمع العالم الكبير فرنسيس كريك ( Francis Crickأدواته: " النظر والشم واللمس والذوق والسمع والعقل ورحل، ليس لأنه تعب وعجز عن العمل ولكن – اذا جاز لي ان أستعير تعبير كازانتزاكي – عاد الى بيته الارض ، ... ، لان الشمس قد غربت ". وبوفاة كريك عن عمر يناهز 88 عاما ، يكون قد انقضى أكثر من نصف قرن، على محاولته الناجحة مع رفيقه جيمس واطسون ( James Watson ) لاكتشاف الشفرة التي كتب بها ما يعتبره الكثيرون سر الحياة.

ويرجع استخدام تعبير "سر الحياة" هنا، الى حقيقة ان " الآلية الأساسية " التي تمكن الكائن الحي من أن يعطي خلفا يرث عنه صفاته، هي أكثر الصفات فرادة، من بين تلك تفرق بوضوح بين الكائن الحي والجماد. وكان الفيلسوف والعالم الاغريقي "أرسطو" ، قد المح لتلاميذه ذات مرة، بأن السر في تمكن الكائن الحي من التكاثر، هو اشتماله على فكرة – أو مخطط - بناء كائن حي آخر . و حسب تبسيط " أرسطو " فان فكرة – أو مفهوم - الدجاجة متضمنة في البيضة، كما أن جوزة شجرة البلوط تكون مزودة بالمعلومات اللازمة لمشروع تكوين شجرة البلوط .


غير أن فطنة ارسطو المبكرة هذه، لم تلقى الاهتمام الجدير بها طوال قرون عديدة. ولم يشك أحد - طوال القترة التالية له من الزمان - بان المخطط الذي قصده أرسطو هو بالمعنى الحرفي " شفرة " مكتوبة بمواد كيميائية تسكن في قلب خلايا الكائن الحي.


اللغز المهيب :


و مع انتهاء السنوات الخمسين الاولى من القرن الماضي، تجمع للعلماء كم معقول من المعارف حول آلية الوراثة . ولعل أكثر تلك المعارف اساسية، تلك التي جاءت في القرن التاسع عشر ، كثمرة لتجارب القس التشيكي" مندل " (Mendel G. J. ) على النباتات، والتي تتلخص في ان الصفات الوراثية تورث من السلف الى الخلف ليس بشكل عشوائي، وانما حسب قاعدة معينة متكررة. و لا ننسى بالطبع الاكتشاف المهم بان المادة المسئولة عن نقل الصفات الوراثية تستقر في الصبغيات ( الكرموسومات ) المتمركزة في أنوية الخلايا. وكان العالم " ايفري " قد حدد التركيب الكيميائي لهذه المادة ، التي نطلق عليها في الوقت الحاضر اسم " الحمض النووي الريبي منقوص الاوكسجين " ، والتي يختصر اسمها عادة الى " دنا " بالعربية نقلا عن الاختصار الانجليزي ( DNA ).

ولكن كيف يمكن لهذه المادة أن تنقل صفات مختلفة، وبأية كيفية يمكن لها أن تسجل الكم الهائل من المعلومات التي تصف تركيب كائن كامل، بكل التعقيد الذي خلقه عليه الخالق؟ هذا هو السؤال الذي راود المختصون. وحار العلماء في الاجابة على هذا السؤال، ولم يراود معظمهم أي إحساس، بأنه خلال سنوات قليلة فقط سينكشف الغموض عن اللغز الذي بدا لزمن عصيا على الحل، وذلك بعمل من أعمال الفكر المجيدة على يد" كريك " وزمليه " واطسون" .



نظرة من الخارج:

         كثير ما نكتشف من دراستنا لتاريخ العلم ، أن بعض أفضل النظريات التي تقود الى حل مشكلة علمية عويصة في مجال معين، ينجزها مختصون في مجالات علمية اخرى مختلفة أشد الاختلاف. وفي موضوعنا هذا أتت أنجح نظرة الى المشكلة التي واجهت علماء الحياة من الحائز على جائزة نوبل إرفين شرودنجر ( Erwin Schrodinger) وهو أحد علماء الذرة الكبار . و قد صاغ " شرودنجر " رأيه حول الوراثة، في مجموعة من المحاضرات القاها أثناء اقامته في دبلن سنة 1943 ، والتي من خلاصتها صاغ كتابه المعنون باسم ( ما الحياة ؟ ). وفي الكتاب المذكور وصل شرودنجر في تحليله لموضوع الوراثة الى الجملة التي يقول فيها: " ان الصبغيات ، .... ، تحتوي في ما يشبه المخطوط المشفر كل مستقبل الفرد وادائة الوظيفي في حالة البلوغ" . ولقد كان في تحليل شرودنجر هذا لمحة خارقة من العبقرية، التي لفتت انتباه كل من كريك و واطسون . وقد ذكر واطسون بعد سنين ، أنه منذ اللحظة التي طالع فيها كتاب شرودنجر ، استولى عليه الاهتمام بمحاولة اكتشاف سر " الدنا".



الرجل والرفيق:

       ولد فرنسيس كريك في بريطانيا سنة 1916 ، و درس الفيزياء، غير ان دراستة العليا للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة لندن ( University College) انقطعت نتيجة لاشتعال الحرب العالمية الثانية. وبعد انتهاء الحرب بسنتين ، وجد كريك لنفسه مكانا في مجال الابحاث الخاصة بعلم الحياة في جامعة كامبريدج البريطانية. وبعد ذلك بأربع سنوات التقى كريك مع الباحث الامريكي واطسون وعمل معه لمعرفة تركيب الدنا، وقد اثمر عملهما المشترك في وضع تصور لكيفية تشفير المعلومات الورائية في الدنا، والذي انكشف من خلال اكتشاف التركيب الحلزوني لهذه المادة .

        ولقد جاءت معظم الاستنتاجات المبدئية التي توصل لها الباحثان نتيجة لعمل من اعمال الفكر الخالص، ثم حصلت مصادفة جعلت الباحثين يثقان في ما توصلا اليه من استنتاجات . ففي أحد الايام تناقش واطسون مع الباحث موريس ويلكينس ( Maurice Wilkins ) من الكلية الملكية في لندن حول النتائج المخبرية لفحص مادة الدنا بوسطة الأشعة السينية . وقد أطلع موريس واطسون على بعض الصور الاشعاعية الواضحة التي حصلت عليها الباحثة روزالين فرانكلين (Rosalind Franklin ) التي تعمل معه في نفس المعمل حول تركيب الدنا. وبدا في بعض الصور الاشعاعية التي شاهدها واطسون ظل متقاطع يشبه الحلزون، وهو الامر الذي سر له كثيرا ، لأنه عرف انذاك أنه وكريك كانا يسيران في استنتاجاتهما على الطريق الصحيح.

       وفي 28 فبرير سنة 1953 اعلن كريك و واطسون اكتشاف تركيب " الدنا" ، وتم نشر اكتشافهما في مجلة نيتشر ( Nature ) في 25 ابريل من سنة 1953 م. و بعد مرور تسع سنوات تقريبا حصل كل من كريك و واطسون و ويلكينس على جائزة نوبل . وفي سنة 1977 م انتقل " كريك " للعمل في موسسة سالك ( Salk Institute ) في الولايات المتحدة و اقام هناك حتى وفاته. وقد شارك " كريك فيما بعد في بعض الأبحاث المهمة الاخرى في مجال علم الحياة ، والف او شارك في كتابة حوالى 130 دراسة علمية ، والعديد من الكتب.

       أما روزالين فرانكلين فقد ماتت في سن مبكر بمرض السرطان الذي نتج عن كثرة تعرضها للاشعة السينية اثناء قيامها بالابحاث . ولم تكن العالمة – لسوء الحظ – تدري حتي يوم وفاتها بالدور المهم الذي لعبته الصور التي التقطتها في اكتشاف تركيب الدنا . وقد ذكر موريس في حوار مع كاتب سيرتها، أنه سمح لنفسه باطلاع واطسون على الصور التي التقطتها روزالين بدون اذن منها، وبدون علمها على لأنه كان يعمل معها في نفس المختبر على نفس الموضوع.

الحلزون المزدوج: 

       وفي المقال الذي نشر في مجلة " نيتشر " أوضح كريك و واطسون ان جزيئات " الدنا" تنتظم في الفراغ على شكل حلزون مزدوج ( double helix ) و اشارا الى اهمية هذا التركيب من ناحية تمكينه " الدنا " على اعادة نسخ نفسه مرة بعد اخرى. والشئ المهم الجديد في هذا الاكتشاف ، هو ان تركيب الدنا يختلف من شخص الى آخر ، وأنه يحمل الشفرة التي توضح طريق بناء كائن حي جديد يحمل الخصائص التي ورثها طبقا للمعلومات المشفرة في "الدنا" الذي ورثه من والديه .


أهمية الانجاز:

        ربما قد لا يعرف البعض أن اكتشاف تركيب " الدنا " يعد أحد أهم اكتشاف القرن العشرين، إن لم يكن في راس قائمة الاكتشافات العلمية العظيمة كلها. وفي هذا الصدد يذكر العالم الفرنسي الحائز على جايزة نوبل جاك مونو ( Jacques Monod ) في كتابه المصادفة والضرورة الاتي : "... ، ان تعريف مندل للمورثة كحامل ثابت للسمات والوراثية ، وتحديدها كيميائيا من قبل ايفري ... ، وتوضيح القواعد البنيوية لثباتيتها التناسخية من قبل واطسون وكريك ، كل ذلك يشكل دون شك الاكتشافات الأساسية من بين كل الاكتشافات التي تمت في علم الحياة ، ...، ".

        أما مات ريدلي ( Matt Ridley ) مؤلف كتاب الجينوم ( Genome ) فقد وضع كريك في مصاف كل من نيوتن واينشتين وداروين . ومن المعروف أن الكثير من الجمعيات العلمية المرموقة احتفلت رسميا سنة 2003 م بمرور نصف قرن على اكتشاف تركيب " الدنا " ، الذي وضع الأساس المتين لمستقبل علم الحياة والطب الحديثين .

د. أحمد عبد السلام بن طاهر
أستشاري بقسم الأمراض الباطنة والروماتيزم في مستشفى أويرباخ في المانيا، ورئيس منتدب لقسم أمراض الروماتيزم بمستشفى "قريف" في بولندا، سابقا.
شارك في تأليف مرجع الروماتيزم الألماني الصادر سنة 2001 و 2008
متحصل على شهادة البورد وعلى شهادة الدكتوراة .PhD في طب الروماتيزم
استشاري أول طب الروماتيزم . سنة الحصول على درجة التخصص 1990
متحصل على شهادة البكارليوس في الطب والجراحة عام 1984م.
للاستشارات عن طريق الواتس اب والتيليغرام : 0928665810 (ليبيا)
الايميل: alregwa@gmail.com  

___________________________________________________ 
 Copyright© 2004 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 

الأربعاء، 27 مارس 2019

الدواء المغشوش عند أطراف أصابعك !


       تؤكد مجموعة كبيرة من التقارير والدراسات الصادرة مؤخرا، بوتيرة متسارعة ، على حدوث زيادة كبيرة في حجم تجارة الادوية المغشوشة في العالم . و تشكل هذه التجارة حجر الزاوية ، فيما يعرف بتجارة المستحضرات الصيدلانية الغير قانونية . وتشتمل هذه المستحضرات على الادوية والمواد الجراحية، امصال الوقاية والتطعيم، وسائل منع الحمل و مواد التحاليل التشخيصية.

حجم المشكلة


         رغم صعوبة تحديد حجم هذه التجارة بدقة ، إلا ان مصادر منظمة الصحة الدولية تقدرها بحوالي 7 -10 % من اجمالي تجارة الادوية في العالم ، وهو ما يتفق مع ما تقول به الجمعية الدولية لمصنعي الدواء( IFPMA ) . وكانت ادارة الغذاء والدواء الامريكية ( FDA ) قد قدرت، سنة 2005 ، قيمة هذه التجارة بما يزيد على 32 مليار دولار سنويا ، مقتربة في ذلك من تقدير المصادر الاوربية. هذا كما لفتت هذه الادارة النظر إلى تزايد عدد قضايا الادوية المغشوشة التي حققت فيها من 4 سنة 1998 إلي 58 سنة 2004 . و من المفزع حدوث مثل هذه الزيادة خلال سنوات قليلة ، في بلد يفتخر بان لديه افضل نظام في العالم لمراقبة توزيع، وتتبع الادوية .

هذا و قد ذكر تقرير صادر عن الاتحاد الاوربي ، ان حوالي 8% من كل المبالغ التي تصرف على المركبات الدوائية في اوربا ، تجد طريقها إلي جيوب المجرمين من صانعي و مروجي العقاقير المغشوشة، كما اضاف بان المصيبة اعظم في دول اوربا من خارج الاتحاد.

واذا كان هذا هو حال الدول المتقدمة ، فلن يبدو مستغربا ان تكون المشكلة - حسب معظم المؤشرات - اكثر تفاقما في اغلب الدول النامية. وللدلالة على ذلك، نشير إلي ما جاء في تقارير ادارة الغذاء والدواء الامريكية ، من ان حوالي 25% من الادوية المتوفرة في الدول النامية - و 50% في بعض انحاء اسيا - هي ادوية مغشوشة، أو من نوعية رديئة، غير مطابقة للمواصفات. ويقترب هذا التقدير مما اعلنته منظمة الصحة الدولية سنة 2003، في احد نشراتها.

سياسة النعامة


         بالرغم من رصد منظمة الصحة الدولية لحوالي 770 حالة غش دوائي بين عامي 1982 و 1999 ، اغلبها حدث في الدول النامية ( حوالي 70 % ) ، خاصة الافريقية منها، إلا ان الجهات الدولية القادرة لم تتخذ آنذاك ، مع الاسف، اي اجراءات رادعة لتفشي هذه الظاهرة. وكان مما سوغ هذا السلوك ، علاقة المشكلة بالعالم النامي ، الذي يصعب التنسيق معه بسبب فساده الاداري ، و ضحالة امكانياته المادية والفنية. كما ساعد التجاهل الذي ابدته الدول المتقدمة حيال هذه الظاهرة في تفاقم المشكلة . وكانت هذه الدول قد استكانت في السابق ، إلي الاعتقاد بقدرة قنواتها المحكمة لايصال الدواء من المنتجين إلى مواطنيها ، على الوقوف بنجاح في وجه هذه التجارة الملعونة. و نتيجة لهذا ولغيره ، ترك العالم النامي يواجه مصيره منفردا لا كثر من عقد ونصف من الزمان.

غير ان الامور اصبحت اكثر تعقيدا منذ منتصف التسعينات ، بعد انتشار تجارة الادوية عبر الانترنت، التي تصعب مراقبتها وملاحقتها محليا أو قاريا. كما زاد الطين بلة، تمكن بعض الشبكات الاجرامية المنظمة ( مافيا الادوية المغشوشة) ، من التسلل إلي الشبكات الرسمية لتوزيع الادوية في الغرب . وكانت هذه الشبكات قد ركزت نشاطها في البداية، علي غش العقاقير الحديثة باهضة الثمن التي تعاظم انتشارها في العقد الاخير، ثم انتقلت بعد ذلك الي غيرها من الادوية. ولهذا تعالت في السنوات الاخيرة، صرخات المسئولين في الدول المتقدمة ، بعد ان وجدوا بلدانهم، لسخرية القدر، تشارك العالم النامي ذات القارب المتعثر.

الغش أنواع


        تذكر مصادر التجمع الخيري لشركات الدواء الالمانية المسمي ( GPHF) بان حوالي 7% من الادوية المغشوشة التي تدور في العالم ، هي متقنة التقليد من ناحية التغليف والمادة الدوائية الموجودة بداخل العلبة ، وعليه فليس هناك ضرر صحي ينتج من تعاطي هذه العقاقير. أما ما يقدر بحوالي 17 % من منها فيكون تغليفها متقنا ، غير ان محتواها الدوائي هو اقل نقاوة و تركيزا من المطلوب، أو ملوثا، أو مصنوعا من دواء اصلي منتهي الصلاحية. و يتخصص الغش بالطريقتين المذكورتين في الادوية غالية الثمن نسبياً ، التي يسمح هامش الربح العالي فيها ، بالسخاء في الانفاق علي الانتاج. وتنتشر العقاقير السابقة في الدول الغنية ، أو تلك التي لها درجة تقنية مرتفعة نسبيا في الرقابة علي الادوية.

و طبقا لابحاث المصدر الالماني المذكور ، فلا تحتوي اغلبية العقاقير المغشوشة التي تسوق في الدول النامية، والدول الغنية المتخلفة تقنيا ،علي اي مركب دوائي ، بل على الماء المعقم ، أو مواد غير ضارة مثل النشا وسكر الجلوكوز وبعض الالوان. ورغم ان هذه الادوية غير ضارة بصورة مباشرة ، إلا انها قد تتسبب في الضرر الفادح ، لتركها من يتعاطاها بدون أي دفاع في وجه مرض فتاك. وتطال اغلب حالات الغش هذه ، ادوية مهمة جدا للعالم النامي ، مثل المضادات الحيوية ، وادوية الملاريا ، و علاجات مرض الايدز ، وعقاقير امراض الاطفال الاكثر انتشارا، كادوية تخفيض الحرارة، وغيرها.

وتشكل المجموعة الثالثة من الادوية المغشوشة ، حوالي 16% من مجموعها العالمي، وهي المجموعة التي تتميز باختلاطها بمواد سامة - اشهرها مادة ثنائي ايثيل القلايكول ( Diethylenglycol )- نتيجة للانتاج الخاطئ في معامل بدائية.

قمة جبل الجليد


        في الواقع، لا احد يعلم علي وجه التحديد عدد الانفس البريئة التي ازهقتها الادوية المغشوشة. غير ان تقارير منظمة الصحة الدولية وبعض المنظمات الاخرى ، تسجل من وقت لاخر بعض ما يطفو على السطح بالصدفة: في العام 1990 سجلت 100 حالة وفاة في نيجيريا بسبب دواء لعلاج السعال مغشوش بمادة سامة. أما في هايتي فقتل 89 شخصا عام 1995، كنتيجة لتعاطي ادوية لتخفيض الحرارة ملوثة بمادة ثنائي ايثيل القلايكول السامة . و حتى سنة 2005 حصدت هذه المادة اكثر من 500 روح آخري. ، وتتغير اعداد الضحايا من تقرير إلى آخر ، وعند الوصول إلى عدد الضحايا في الصين سنة 2001 ، نجد رقما مهولا ( 192000 ضحية ) ، حسب احد المنشورات الاسيوية ، وهو رقم يصعب معه ذكر اي تعليق. أما اعداد من تضرروا ولم يموتوا فلا يعلمها إلا الله.


وبمطالعة التقارير الدولية تطالعنا بعض اسماء الدول الاخري : النيجر، كينيا ، المكسيك، فيتنام ، تايلاند ، سنغافورة ، تركيا ، كمبوديا ، الهند ، باكستان، وغيرها . كما نتعرف من التقارير علي بعض اسماء انواع الادوية الاخرى التي تم غشها: مصل ( تطعيم ) للوقاية من التهاب السحايا، مرهم لعلاج الحروق، علاجات الملاريا ، علاج لتخفيض الوزن، واخري لتخفيض دهون الدم ، مضادات حيوية مختلفة و عقاقير لعلاج الملاريا ومرض الايدز، وغيرها. ولانجد بين في التقارير الدولية اسماء الدول العربية، وهو امر متوقع بسبب ضعف وسائل المراقبة والاكتشاف من ناحية ، و لمعرفتنا بعدم حب دولنا لنشر " الغسيل الوسخ" امام الجميع من الناحية الاخرى ، غير ان هذا لم يمنعنا من اكتشاف بعض هذا " الغسيل " في الصحافة الغير حكومية والاهلية من وقت لآخر.

فتح عينك!


        تنتج اغلب الادوية المغشوشة التي تضبط في العالم حاليا في بلدان اسيوية ( الصين الهند باكستان فيتنام وغيرها ) وكذلك بعض بلدان امريكا الجنوبية. وقد انضمت بعض دول اوربا الغير عضوة في الاتحاد الاوربي، إلي القائمة السابقة في الفترة الا خيرة. هذا و تصلنا ، من وقت لآخر ، بعض التقارير حول ما يعرف بمصانع " تحت السلالم" متخصصة في انتاج الادوية المغشوشة في بعض البلدان العربية .

ورغم عدم تفريق نتائج هذه التجارة الخبيثة بين مجموعة عرقية وآخرى، إلا ان ماسيها تتجسد بكافة ابعادها في الاقطار التي تعاني من كثرة الفقر والجهل والفساد، و تلك التي تتنقل فيها الادوية ، بلا رقيب أو حسيب ، بين الموزعين وارفف الصيدليات ، وبعد ذلك الى ايدي المرضى.

هذا وكانت منظمة الصحة الدولية قد لخصت، ذات مرة ، عوامل استشراء هذه المشكلة في العالم النامي في : نقص ضبط و تسجيل الادوية المستوردة والمباعة، ضعف مراقبة مراكز انتاج الادوية المحلية و عدم كفاءة مراقبة استيراد وتوزيع العقاقير، هذا بالاضافة الى مشكلة تجارة حقائب السفر والتهريب ، وعدم توفر الخبرات البشرية والمختبرات المؤهلة للكشف عن الادوية المغشوشة. ونحن نعاني ايضا في اغلب بقاع وطننا العربي– بدون آية مبالغة - من فائض هذه العوامل.

د. أحمد عبد السلام بن طاهر
أستشاري بقسم الأمراض الباطنة والروماتيزم في مستشفى أويرباخ في المانيا، ورئيس منتدب لقسم أمراض الروماتيزم بمستشفى "قريف" في بولندا، سابقا.
شارك في تأليف مرجع الروماتيزم الألماني الصادر سنة 2001 و 2008
متحصل على شهادة البورد وعلى شهادة الدكتوراة .PhD في طب الروماتيزم
استشاري أول طب الروماتيزم . سنة الحصول على درجة التخصص 1990
متحصل على شهادة البكارليوس في الطب والجراحة عام 1984م.
للاستشارات عن طريق الواتس اب والتيليغرام : 0928665810 (ليبيا)
الايميل: alregwa@gmail.com  

___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر
المراجع (References):

1. AMIN, A. A. & KOKWARO, G.O. (2007): Antimalarial drug quality in Africa.. J Clin Pharm Ther, 32, 429-40.
2. AMIN, A. A., SNOW, R. W. & KOKWARO, G.O. (2005): The quality of sulphadoxine-pyrimethamine and amodiaquine products in the Kenyan retail sector.. J Clin Pharm Ther, 30, 559-65.
3. DEISINGH, A. K. (2005): Pharmaceutical counterfeiting.. Analyst, 130, 271-9.
4. JAMES, J. S. (2005): FDA, companies test RFID tracking to prevent drug counterfeiting.. AIDS Treat News, , 5-8.
5. KELESIDIS, T., KELESIDIS, I., RAFAILIDIS, P. I. & FALAGAS, M.E. (2007): Counterfeit or substandard antimicrobial drugs: a review of the scientific evidence.. J Antimicrob Chemother, 60, 214-36.
6. LON, C. T., TSUYUOKA, R., PHANOUVONG, S., NIVANNA, N., SOCHEAT, D., SOKHAN, C., BLUM, N., CHRISTOPHEL, E. M. & SMINE, A. (2006): Counterfeit and substandard antimalarial drugs in Cambodia.. Trans R Soc Trop Med Hyg  100,  1019-24
7. MCDERMOTT, M. K., ISAYEVA, I. S., THOMAS, T. M., LEE, A. S., LUCAS, A. D., WITKOWSKI, C. N. & HUTTER, J.C. (2006): Characterization of the structure and properties of authentic and counterfeit polypropylene surgical meshes.. Hernia, 10, 1314-42.
8. MONTOYA, I. D. & JANO, E. (2007): Online pharmacies: safety and regulatory considerations.. Int J Health Serv, 37, 279-89.
9. SARKAR, P. & GOULD, I.M. (2006): Antimicrobial agents are societal drugs: how should this influence prescribing?. Drugs, 66, 893-901.
10. VIJAYKADGA, S., CHOLPOL, S., SITTHIMONGKOL, S., PAWAPHUTANAN, A., PINYORATANACHOT, A., ROJANAWATSIRIVET, C., KOVITHVATTANAPONG, R. & THIMASARN, K. (2006): Strengthening of national capacity in implementation of antimalarial drug quality assurance in Thailand.. Southeast Asian J Trop Med Public Health, 37 Suppl 3, 5-10.
11. ONWUJEKWE, O., KAUR, H., DIKE, N., SHU, E., UZOCHUKWU, B., HANSON, K., OKOYE, V. & OKONKWO, P. (2009): Quality of anti-malarial drugs provided by public and private healthcare providers in south-east Nigeria. Malaria journal, 8, 22.
12. ZUMOFF, R. (2007): WHO reports counterfeit drugs are a global calamity.. Nephrol News Issues, 21, 22.
13. LOPES, M. B., WOLFF, J., BIOUCAS-DIAS, J. M. & FIGUEIREDO, M.A.T. (2009): Determination of the composition of counterfeit Heptodin tablets by near infrared chemical imaging and classical least squares estimation. Analytica chimica acta, 641, 46-51.
14. WERTHEIMER, A. I. & NORRIS, J. (2009): Safeguarding against substandard/counterfeit drugs: Mitigating a macroeconomic pandemic. Research in social & administrative pharmacy : RSAP, 5, 4-16.

غذاء الذاكرة


          يتركب الدماغ من خلايا عصبية نسميها " عصبونات " (neurons)، يشكل نشاطها وتشابكها أساس التفكير والذاكرة، كما تسبغ على السلوك بعض ملامحه المميزة. و يعتمد هذا العضو في تأدية وظائفه ، على ما يصله مع الدم من غذاء ومن غاز الأكسجين. والقدرة على التذكر هي إحدى وظائف الدماغ الأساسية، التي تلعب دورا مهما في إنجازه لوظائفه الفكرية الراقية. وتتجسد أهمية الذاكرة في تسهيل الربط بين خبراتنا الراهنة و معارفنا السابقة، مما يسمح بالوصول إلى استنتاجات معرفية جديدة. ولهذا فمن الطبيعي أن تتجسد مشاكل الذاكرة فيما يعرف بضعف القدرة على التعلم وإنتاج الأفكار الجديدة والمبدعة، وتدني النتائج المتحصل عليها في الاختبارات المدرسية.

         وفي العقود الأخيرة، يري الكثير من الخبراء أن الدماغ هو أكثر أعضاء الجسم تاثرا بسوء التغذية، ويشدد فريق من منهم، على أن تحتل أساليب التغذية الصحيحة، مكانا جوهريا في المحاولات الهادفة للحفاظ على قوة الذاكرة وتحسينها.

الدماغ عضو متطلب

        ترجع حساسية الدماغ المفرطة لسوء التغذية لفرط حاجته للمواد المغذية و الاكسجين . فرغم أن وزن الدماغ لا يتجاوز 2% من وزن الجسم ، نجده يحتاج يوميا الى حوالي 20% من حاجة الجسم الاجمالية اليومية من الطاقة ، و 15 % من الدم الذي يضخه القلب كل مرة، و 25% من الأوكسجين الذي نتنفسه.

        ويستخدم الدماغ سكر الجلوكوز ( سكر العنب ) كمصدر للطاقة اللازمة لعمل الدماغ واستمراره في العيش، ولهذا يطلق البعض على هذا السكر اسم " بنزين الدماغ ". وبينما تستطيع أعضاء الجسم الأخرى استخلاص الطاقة عن طريق حرق السكر أو الدهون ، نجد خلايا الدماغ عاجزة عن استخلاص الطاقة من الدهون. ولكون سكر الجلوكوز غذاء خلايا الدماغ الأساسي ، لذا يعتبر الحفاظ على مستوى مناسب وثابت من هذا السكر في الدم، أمرا حيويا، لمن يريد أن يجنب نفسه التعرض لاضطرابات آنية في قدرته على التذكر.

        ويتحصل الانسان على الجلوكوز من السكريات و من المواد النشوية . والاطعمة التي تفي بهذا الغرض : الخبز ، حبوب الصباح " الكورن فلكس " ، المعجنات والبطاطس والفواكه والعسل. وفي الغالب يتكون غالب افطار مختلف الشعوب من هذه الماكولات . ومن اللازم تزويد الجسم بقدر كافي من سكر الجلوكوز عدة مرات في اليوم ، خاصة قبل ممارسة الأعمال التي تستدعي استخدام القدرات العقلية بتركيز شديد، أو الانخراط في اعمال مجهدة جسديا. وقد أبرزت الكثير من الدراسات انخفاض مستوى الانتباه والتركيز والتذكر عند اطفال المدارس الذين لا يتناولون طعام الافطار مقارنة بمن يحرصون على تناوله .


توابل التفكير

       وقد لاحظ الباحثون، أهمية الفيتامينات لصحة و وظائف الدماغ ، واعتقدوا في البداية أن السبب في ذلك هو ضرورة توفر الفيتامينات لاتمام عملية استخلاص الطاقة. غير أن الأبحاث الحديثة أظهرت جانبين آخرين كانا مجهولين، من أوجه تأثير الفيتامينات على أداء الدماغ: أولهما نتاج علاقتها بالنواقل العصبية  ( neurotransmitters ) ، أما الأخر فيرجع لتاثيراتها المضادة للأكسدة (Antioxidant) .

        و يحلو للبعض أن يطلق علي الفيتامينات تعبير " توابل التفكير "، للتدليل على أهميتها لنشاط الدماغ وإبراز قدراته المعرفية الراقية ، التي تعتمد بشكل كبير على الذاكرة. ويمكننا ابراز دور هذه العلاقة بذكر أهمية فيتاميني " ب 12 " و " الحمض الفولي " لإنتاج مادة الكولين (Choline) في الجسم. ويحتاج الجسم لهذه المادة لصنع " الاستيل كولين " ، وهو ناقل عصبي يلعب دورا مهما في عملية التعلم والتذكر. ويؤدي عدم توفر الناقل المذكور إلى انحدار القدرة على التذكر، وصعوبة التركيز والشعور بالنعاس.

       وقد ذكرت دراسات متعددة ، أن هناك علاقة قوية بين وجود مستويات عالية من فيتامين الحمض الفولي والتمتع بقدرات عقلية جيد عند من بلغوا أو تجاوزوا العقد السادس من العمر ، هذا بشرط توفر مستويات طبيعية من فيتامين ب 12 في دمائهم. كما لاحظت الدراسة علاقة انخفاض مستويات فيتامين " ب12 " بتدهور القدرات العقلية المعرفية. كما اوضحت دراسات أخرى مظاهر ضعف واضح في القدرة علي التذكر عند الاصحاء ممن تجاوزوا 75سنة من العمر ممن لديهم قابلية وراثية للاصابة بداء الزهايمر ( من امراض الخرف )، اذا ما عانوا من انخفاض مستويات فيتامين ب12 في دمائهم.

        أما الفيتامينات الاخري المهمة للدماغ والذاكرة، فتشمل فيتامينات " ب1" ( الثيامين ) و " ب3 " ( حمض النياسين) و "الحمض البانتوثيني "، وهي كلها من أفراد طائفة فيتامينات ب المركبة ( B-complex ). وتعد مصادر الغذاء الحيوانية ( اللحوم والبيض والأسماك والكبد ) من بين أهم مصادر فيتامينات ب المركبة ، لكونها قادرة على تزويد الجسم بكل أفراد هذه المجموعة الفيتامينية. أما الحبوب ومنتجاتها فلا تزود الجسم إلا ببعض أفراد فيتامينات ب المركبة فقط .

مضادات ا لتاكسد

         مثلما يستخدم محرك السيارة الوقود لينتج الطاقة التي يحتاجها ، ويطلق الي الهواء بعض الغازات الغير مرغوب فيها ، كذلك هو الحال مع الخلايا الحية . والشيء الذي يلعب دور الغازات الغير مرغوب فيها في حالة الخلايا ، هو ما يطلق عليه الخبراء اسم " الجذور الحرة (free radicals) " . ويتحكم الجسم في مستويات هذه الجذور بواسطة بعض الآليات الخاصة، لكي لا تؤذي الجسم. وعندما تفشل هذه الآليات في مهمتها لسبب أو لأخر، ترتفع مستويات الجذور الحرة ، وهو الامر الذي قد يتسبب - حسب ما تقول به مجموعة كبيرة من الدراسات- في نشوء طائفة من الأمراض، من بينها بعض أمراض واضطرابات الجهاز العصبي التي تترافق مع حدوث ضعف في الذاكرة.

       وقد أتضح من الدراسات، أن لبعض المواد القدرة علي اقتناص الجذور الحرة وتقليل مستوياتها في الجسم، و لهذا يطلق علي هذه المواد اسم مضادا ت التأكسد أو قانصات الجذور . ويري فريق من العلماء أن تناول هذه المواد يفيد الذاكرة. وتشمل مضادات التاكسد فيتاميني " ج "( C ) و "إي "( E )، هذا بالإضافة إلي طائفة الكاروتينات ( Carotene )التي ينتج عنها فيتامين " أ " في الجسم. ويمكن تزويد الجسم بفيتامين " ج " و الكاروتينات بتناول الخضروات والفواكه، أما فيتامين "إي " فيمكن الحصول عليه بتناول الزيوت النباتية و الكبد.
العناصر المعدنية

       ولبعض العناصر المعدنية المغذية هي الاخري خواص مضادة للتأكسد ، وهو الأمر الذي يكشف عن أهميتها للدماغ والذاكرة. واهم هذه العناصر هي الزنك والكروم و السيلينيوم (Selenium) . و تعتبر اللحوم و الكائنات البحرية المختلفة، والحبوب الكاملة أهم مصادر السيلينيوم في الطعام. أما أفضل مصادر الزنك والكروم فهي اللحم والبيض والكبد والكائنات البحرية، الجبن، الحبوب الكاملة والخميرة.

        ورغم أن عنصر الحديد ليس من مضادات التاكسد ، إلا أن هذا لا ينفي أهميته لعملية التذكر. ويعرف الأطباء منذ زمن بعيد أن الشكوى من ضعف الذاكرة قد يكون أحد اعراض المعاناة من حالة فقر الدم (Anemia). وتعتبر اللحوم الحمراء، الكبد، الحبوب الكاملة، و الخضراوات أهم مصادر الحديد. ويفيد تناول الخضر و الفواكه مع اللحوم في نفس الوجبة ، في زيادة امتصاص الحديد في الأمعاء.

الأحماض الامينية

           غالبا ما يتحدث الخبراء عن حاجتنا اليومية الي تناول اللحوم و الاسماك ، أو ما يطلق عليها عادة اسم " مصادر الغذاء البروتينية " . وفي الواقع فان اجسامنا لا تحتاج الي المواد البروتينية بذاتها ، بل تحتاج الى الاحماض الامينية (amino acids)  التي تتركب منها البروتينات. ومن المعروف أنه لا يوجد أي نشاط يتم فى الجسم الحى لا تستخدم فيه هذه الأحماض بشكل أو بأخر. و للحمض الاميني المسمي تربتوفان (tryptophan ) اهمية لموضوعنا، لانه يستخدم في صنع ناقل عصبي يسمى السيروتونين (Serotonin) له اهمية لنشاطات الدماغ الخاصة بالسلوك والتعلم . ويمكن تزويد الجسم بما يحتاجه من التريبتوفان عن طريق تناول الحليب واللبن الزبادي والحبوب الكاملة والأسماك والدجاج واللوز والموز والسبانخ.

الدهون

        رغم السمعة السيئة التي تلصق في الوقت الحالي بالدهون ، الا ان الدهون ليست كلها ضارة. و تعتبر دهون الليستين ( Lecithin ) المنتشرة في مصادر الغذاء النباتية والحيوانية مهمة للدماغ و للذاكرة، ويرجع البعض أهميتها لاحتوائها علي على أحماض دهنية عديدة اللا تشبع، وعلي مادة الكولين التي أوليناها بعض الاهتمام في سطور سابقة. وقد أتضح من بعض الدراسات، أن لتناول الليستين تأثيرا محسنا للذاكرة. وتحتوي حبوب فول الصويا واللحوم وصفار البيض على كميات جيدة من الليستين. 

        وبالطبع يجب ان لا ننسي هنا فائدة الدهون التي تحتويها الاسماك والكائنات البحرية الاخري ، وذلك لما اثبتته مختلف الابحاث من اهيمتها للحفاظ علي ذاكرة قوية. ولمن لا يحب تناول الاسماك والكائنات البحرية يمكن تناول هذه الدهون على هيئة اقراص تباع في الصيدليات. وافضل انواع هذه الاقراص هي تلك التي تحتوي على دهون " أوميغا - 3 " لوحدها ، ولا يستحسن تناول اقراص زيت كبد الحوت كبديل عنها.

المركبات الكيميائية النباتية

       تحتوي النباتات بالاضافة الي الفيتامينات والسكريات والدهون ، على مركبات اخري ثبت في السنوات الأخيرة، أهميتها لصحة الإنسان. ويطلق الخبراء على هذه الطائفة من المركبات اسم المركبات الكيميائية النباتية ( Phytochemicals) . ويسود الوسط العلمي اعتقاد قوي، بان الأهمية الكبرى لهذه المركبات ترجع في معظمها إلى خواصها المضادة للأكسدة، وهو الأمر الذي يقي من أمراض واضطرابات الدماغ والذاكرة. و ينصح خبراء التغذية اليوم بزيادة عدد الخضر والفواكه ذات الألوان المختلفة في كل وجبة طعام، تماشياً مع الاعتقاد العلمي السائد الآن، وهو انه كلما زاد عد د الألوان الطبيعية في الطعام، كلما ارتفع عدد المركبات الكيميائية النباتية به.

المنبهات

      لايمكن ان يمر الحديث عن الغذاء ، بدون الالتفات الى المنبهات. و يقف الكافيين على راس قائمة المنبهات الأكثر استخداما في العالم، ويتم تناوله غالبا على هيئة شاي أو قهوة. كما يتحصل العديد من الأطفال على جرعات إضافية منه عن طريق تناول الحلويات الجاهزة المحتوية على الشيكولاته والمشروبات المحتوية على الكوكا. و تفيد الدراسات بان للكافيين القدرة على رفع مستوى بعض القدرات الدماغية من بينها التذكر، كما يحسن الانتباه . غير أن الإفراط في تناول الكافيين أو مصادره يمكن أن يؤدي إلى التوتر العصبي، وسرعة ضربات القلب وضيق التنفس.

وتمتص الامعاء الكافيين الموجود في القهوة بشكل اسرع من شبيهه الموجود في الشاي. وهذا هو السبب في سرعة الشعور بالانتعاش بعد شرب القهوة مقارنة بالشاي . وقد زاد الاهتمام في الفترة الأخيرة بالشاي الأخضر لاحتوائه على الكافيين مواد أخري ذات فائدة للدماغ والذاكرة وللوقاية من بعض الأمراض. ومن بين هذه المواد مادة ابيجالو كاتيكين ( Epigallocatechin )، التي اتضح أن لها تأثيرا مقاوماً للتأكسد يفوق باضعاف عديدة تأثير فيتامين "ج" كما يفوق مفعول فيتامين " أي " بعدة مرات.

د. أحمد عبد السلام بن طاهر
أستشاري بقسم الأمراض الباطنة والروماتيزم في مستشفى أويرباخ في المانيا، ورئيس منتدب لقسم أمراض الروماتيزم بمستشفى "قريف" في بولندا، سابقا.
شارك في تأليف مرجع الروماتيزم الألماني الصادر سنة 2001 و 2008
متحصل على شهادة البورد وعلى شهادة الدكتوراة .PhD في طب الروماتيزم
استشاري أول طب الروماتيزم . سنة الحصول على درجة التخصص 1990
متحصل على شهادة البكارليوس في الطب والجراحة عام 1984م.
للاستشارات عن طريق الواتس اب والتيليغرام : 0928665810 (ليبيا)
الايميل: alregwa@gmail.com  

 ___________________________________________________ 
 Copyright© 2014 by Ahmed Abdulsalam Ben Taher 
 حقوق النشر محفوظة © 2014 للمؤلف أحمد عبد السلام بن طاهر